منذ حوالي خمس سنوات، أقدمت جمعية مغربية تهتم بالتربية الطرقية بمدينة
الجديدة على مبادرة نادرة في ذلك الوقت، عندما اختارت إحدى ليالي شهر يناير
الباردة لتوزيع باقات ورود على عناصر شرطة المرور، أثناء مزاولتهم عملهم
بشوارع المدينة.
وتركت هذه الالتفاتة اللطيفة انشراحا واضحا وسط أصحاب مهنة المخاطر، خصوصا
الشرطيات اللواتي أصبح حضورهن بالشوارع الرئيسية لهذه المدينة يمتد حتى
ساعات متأخرة من الليل.
وكان التلاميذ، الذين حملوا تلك الورود المعبرة، تلقوا قبيل توزيعها دروسا
في التوعية والتحسيس بأهمية دور الشرطي في تنظيم المرور، وتجنيب الناس
مخاطر الطريق.
بعد بضع سنين من هذه الخطوة، التي كان من بين أهدافها محو تلك الصورة
السلبية والنمطية في علاقة المواطن برجال الأمن، أقدم الرئيس الإقليمي
للشرطة القضائية بحي البرنوصي، في الدارالبيضاء، رفقة عدد من عناصر الشرطة
الإقليمية، على توزيع هدايا على أطفال مدرسة "الأمل"، بمناسبة عاشوراء،
عبارة عن ألعاب وحلويات وفواكه جافة.
كان اللقاء فرصة للأمنيين لحث التلاميذ على استغلال أيام عاشوراء استغلالا
حسنا، واللعب في ظروف آمنة، خالية من أخطار الألعاب النارية والمفرقعات،
وتنبيههم لمخاطر المخدرات والحلويات الضارة، التي تباع أمام أبواب المدارس.
مثل هذه المبادرات الجميلة، يجب ألا تقتصر على المناسبات، وليس من الضرورة
أن تجري تحت أضواء كاميرات التلفزيون وأمام عدسات الصحافيين، بل يجب أن
تكون عملا مستمرا، في سياق تفعيل الاستراتيجية الأمنية الجديدة لمديرية
الأمن، التي تتحدد أهم مرتكزاتها في الانفتاح على مختلف الفعاليات
المؤسساتية والمدنية والأكاديمية والإعلامية، بما يضمن تطوير الخدمات
الأمنية، وتعزيز الشعور بالأمن لدى المواطن، وتوطيد الحكامة المندمجة
لقضايا الأمن ضمن رؤية شمولية، تجمع بين التوعية والتحسيس، والتربية على
المواطنة، ثم، في مرحلة أخيرة، التدخل من أجل الرصد والمكافحة.
وكانت مديرية الأمن اتخذت، بشراكة مع مؤسسات التعليم، مبادرات أخرى لم يكتب
لها النجاح، مثل تجربة ما يسمى بالأمن المدرسي، بوضع فرق أمنية أمام أبواب
المدارس، للسهر على حماية ممتلكات المؤسسات، والمساهمة في خلق جو دراسي
آمن يساعد التلاميذ على التحصيل الدراسي، وبادرت النيابات والأكاديميات إلى
اعتماد شركات أمن خاصة للحد من مظاهر العنف والتسيب.
لتجاوز هذا الإشكال، أطلقت المديرية العامة للأمن الوطني، في أكتوبر
الماضي، مشروع «الحملة التحسيسية في الوسط التعليمي»، بشراكة وتعاون مع
وزارة التربية الوطنية واللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير.
وخلال شهرين من تلك الحملة، تحت شعار "من أجل ثقافة طرقية مواطنة" و"الحد
من ظاهرة العنف المدرسي"، زار مسؤولون أمنيون رفيعو المستوى، مؤسسات
تعليمية في عدد من المدن، منها الدارالبيضاء، والرباط، ووزان، وخريبكة،
وبني ملال، والعيون، والجديدة، ومكناس، وآسفي.
وتطرح هذه الحملات التحسيسية مواضيع تلامس واقع التلميذ داخل مجاله
التعليمي، مثل السلامة الطرقية والوقاية من حوادث السير، والأخطار المرتبطة
بالاستعمال المعيب لشبكة الأنترنت٬ ومخاطر استهلاك المخدرات
والمشروبات الكحولية، وتشخيص العنف المدرسي، وسبل معالجته.
ويفترض ألا يكون الاعتداء على أستاذ بسلا، ومدير بالدار البيضاء محبطا
لمجهودات مديرية الأمن للحد من ظاهرة العنف داخل المدارس وخارجها، بل حافزا
ومشجعا على المزيد من العمل، حتى تستعيد المدرسة العمومية قيمتها
المفقودة.